الهيئة العامة لمحكمة النقض-البيع امام السجل العقاري-سيء النية- الشخص الثالث-عقد باطل-

  • الرئيسية
  • المقالات
  • الهيئة العامة لمحكمة النقض-البيع امام السجل العقاري-سيء النية- الشخص الثالث-عقد باطل-

الهيئة العامة لمحكمة النقض-البيع امام السجل العقاري-سيء النية- الشخص الثالث-عقد باطل-

الهيئة العامة لمحكمة النقض-البيع امام السجل العقاري-سيء النية- الشخص الثالث-عقد باطل-

1- إن البيع الجاري أمام السجل العقاري مباشرة، إذا تبين فيه أن عيبا اعتور سند ملكية البائع، فإن القواعد الناظمة للسجل العقاري المنصوص عنها في القرار (188/ل.ر) لعام 1926 هي التي تطبق عليه، و لا يستفيد من هذه القواعد من نقل الملكية لاسمه خلافا للقانون (و بدون حق) و بفعل منه.
2- إن عبارة (دون حق) الواردة في المادة (14) من القرار (188/ل.ر) لعام 1926 تشمل كل أسباب الإبطال التي يمكن التمسك بها في مواجهة مكتسب القيد في السجل العقاري.
3- يعد سيء النية الشخص الثالث العالم بأن من نقل له الحق كان قد اكتسبه أصلا بالاستناد إلى عقد باطل، على أن يكون هذا العلم قد حصل قبل تاريخ اكتساب الغير للحق، و عند الثبوت ليس له التمسك بالقوة الثبوتية لقيود السجل العقاري و إذا انتفى العلم انتفى البطلان.
4- إذا شابت البيوع الحاصلة خارج السجل العقاري عيوبا، فإن القواعد الناظمة لهذه الحالة تحكمها النصوص الواردة في القانون العام (القانوني المدني).
5- إذا جرى القيد بدون حق لمصلحة مكتسب أول، فإن القرار (188/ل.ر) لعام 1926 و من بعده قرار الهيئة العامة لمحكمة النقض رقم (56) لعام 2014 لم يوليان أية أهمية لمسألة حسن النية من عدمه لدى هذا المكتسب، و كل ما تم هو اعتباره قد جرى خلافا للأصول، و يمكن للمتضرر من عملية القيد أن يدعى بالبطلان في جميع الأحوال.
6- إذا لم يتم التسجيل استنادا إلى قيود السجل العقاري بل بالاستناد إلى أسناد معدومة، أو غير نافذة، أو مفقودة فيعتبر القيد في هذه الحالات ملغى، كما لو تم في غياب صاحب العلاقة، أو بني على غش، أو نتيجة تدليس، أو على إفادة أو وكالة مزورة.
7- (الغير): هو كل شخص لم يكن طرفا في التعاقد الحاصل بين فريقين، و لا يمكن اعتبار الورثة من الغير.
8- من اكتسب حقا عينيا بحسن نية مستندا إلى قيود السجل العقاري العلنية، فإن حقه يثبت قضاء، حتى لو زالت صفة من باعه و لم يعد مالكا.
9- في الدعاوى العينية العقارية يجب مخاصمة المالك قيدا في السجل العقاري شريطة أن يكون سيء النية.

وقائع الدعوى
و بعد الإطلاع على كتاب السيد وزير العدل رقم (1683/2) تاريخ 2016-07-25 و تقرير السيد رئيس إدارة التفتيش القضائي رقم (73/م/2016) تاريخ 2016-07-19، و المتضمن اقتراحه عرض الموضوع على الهيئة العامة السباعية لمحكمة النقض بخصوص متابعة توضيح الحالات المنصوص عليها بقرار الهيئة العامة رقم (56) لعام 2016. و كتاب نقابة المحامين في القطر رقم (37/ص.م.ن) تاريخ 2016-08-10. و على طلب الغرفة المدنية في الهيئة العامة لمحكمة النقض حول ذلك بكتابها المؤرخ في 2016-08-16. و القرارات و الوثائق المبرزة و طلب الغرفة المدنية الثانية لمحكمة النقض. لذلك و نظرا لأهمية هذا الموضوع و لما للعقارات من صلة بسيادة الدولة على أراضيها بحيث تحرص الدول عادة على تقنين أصول التعامل بشأن العقارات بصورة دقيقة و استقرار التعامل حول ذلك. و بعد البحث و التدقيق و لا سيما في قرارنا رقم (56) لعام 2014، و لإزالة اللبس الحاصل حوله و توضيح بعض ما ورد في حيثياته، و على ما ورد في الطلبات المقدمة. فإن الهيئة العامة السباعية لمحكمة النقض و بالمداولة فقد اتخذت ما يلي:
تنص المادة (14) من قانون السجل العقاري رقم (188/ل.ر) لعام 1926 الساري المفعول على: (يعتبر التسجيل مغايرا للأصول إذا أجري بدون حق و كل من يتضرر من معاملة تسجيل يمكنه الإدعاء مباشرة بعدم قانونية ذلك التسجيل على الشخص الثالث السيئ النية). علما أن الفقرة الأخيرة وردت في ترجمتها وفقا للقانون اللبناني كما يلي: (… و كل من يتضرر من القيد يمكنه الإدعاء مباشرة على الغير السيئ النية بعدم قانونية ذلك القيد). مع التنويه بأن نص المادة قد جرى أخذه من الفرنسية و مصدر هذه المادة هو المادة (974) من القانون المدني السويسري. و إضافة إلى عدم الترجمة الحرفية لهذا النص في كل من النصين السوري و اللبناني للمادة الآنفة الذكر فإن هذا النص يثير مسألتين أساسيتين عن ماهية القيود الوارد ذكرها في المادة (14) من القرار (188/ل.ر) لعام 1926 و بتحليل هذه المادة فإن هذا يؤدي إلى الاستنتاج بأنها عالجت نوعين من القيود:
المسألة الأولى: قيود جرت بدون حق لمصلحة المكتسب الأول.
المسألة الثانية: قيود جرت لمصلحة الغير.
أولا: القيود الجارية بدون حق لمصلحة المكتسب الأول: يجب هنا التحديد و بدقة ما هو المقصود بعبارة (دون حق) و من العودة إلى نص المادة (974) من القانون المدني السويسري مصدر المادة (14) من القرار (188/ل.ر) يتضح أنها قد جاءت واضحة أكثر مما ورد في لائحة الأسباب الموجبة للمادة (14) حيث أنها قد أضافت إلى عبارة (دون حق) حالة العمل القانوني غير الملزم. و قد ورد في لائحة الأسباب الموجبة للقرار (188) حول نص المادة (14) آنفة الذكر أن، التسجيل يعتبر أنه جرى بدون حق إذا لم يوجد سند حقوقي ثانوي شكلا و موضوعا، كأن يكون السند الذي يتم بموجبه البيع معدوما (كحالة الوكيل المعزول بتاريخ سابق للعقد)، أو أن يكون السند الحقوقي مفقودا (كحالة خطأ أمين السجل الذي يسجل اسم شخص غريب عن المكتسب). أو أن يكون السند الحقوقي غير ملزم (كحالة الحكم غير النافذ او المقاولات الشرطية). و على ضوء ذلك و بالاتكاء على نص المادة (974) قانون مدني سويسري مصدر المادة (14) آنفة الذكر فإن عبارة (دون حق) تشمل كل أسباب الإبطال التي يمكن أن يحتج بها تجاه مكتسب القيد في السجل العقاري، و هي تشمل جميع الحالات التي لا يكون للبائع أو المتفرغ سلطة أو أهلية لإجراء هذا التصرف، و يدخل في شمول ذلك (رفع يد المفلس المشهر إفلاسه عن إدارة أملاكه و التصرف بها بعد شهر إفلاسه، و كذلك المحكوم عليه بالأشغال الشاقة أو الاعتقال و الذي يكون في حال تنفيذه للعقوبة في حال حجر و كل تصرف فيه يعد باطلا بطلانا مطلقا، كذلك المتهم الفار و الذي يجرد من الحقوق المدنية و توضع أمواله تحت تصرف الحكومة)، إضافة على أن عبارة (دون حق) تشمل جميع الحالات التي يكون فيها السند الحقوقي الذي اعتمد أساسا للتسجيل معدوما أو غير ملزم أو لا قيمة قانونية له كما في:
1- حالة الوكيل المعزول بتاريخ سابق للبيع.2
– حالة الوكالة المزورة.
3- انتحال هوية المالك.
حيث إنه و في جميع هذه الحالات أو ما يماثلها تكون عملية نقل الحق غير أصولية مما يجعلها باطلة أو معدومة. و هذا ما سبق و سارت عليه الهيئة العامة لمحكمة النقض في قرارها رقم (41/59) تاريخ 1972-12-30 المنشور في مجموعة القواعد القانونية التي قررتها الهيئة العامة بعام 1972 صفحة (105) و ما يليها حيث فسرت الهيئة العامة مضمون عبارة (بدون حق) بالقول: و لا خلاف أن جملة (جرى بدون حق) تشكل كل أسباب الإبطال التي يمكن أن يحتج بها تجاه القيد العقاري و من ذلك أن يكون التسجيل قد تم بغياب صاحب العلاقة أو بني على الغش أو التدليس أو على إفادة أو وكالة مزورة. و حيث إن التسجيل في هذه الحالات لم يتم بالاستناد إلى قيود السجل العقاري و إنما بالاستناد إلى الأسناد المذكورة المعدومة أو غير النافذة أو المفقودة فيلغى القيد المستند إلى أسناد حقوقية غير صالحة. مع التنويه إلى أن عبارة (دون حق) لا تشمل فقط حالة المتفرغ أو البائع أو المتصرف الذي لا يوليه القانون سلطة أو أهلية للتفرغ أو التصرف و إنما تشمل كذلك الحالات التي وردت في نصوص القوانين و التي اعتبر فيها بعض الأشخاص ممنوعين من الشراء أو الاكتساب للحق، حيث إن نص المادة (14) من القرار (188/ل.ر) و مثلها المادة (974) قانون مدني سويسري، لم تفرق بين أن يكون التفرغ أو الاكتساب قد أجريا بدون حق لأنها عالجت القيد المخالف للأصول، و هذا ما يفيد أن المخالفة قد تقع في أركان العقد في حالة عدم حيازة المتعاقدين أنفسهم للشروط القانونية سواء كان المتعاقد متفرغا و متصرفا أم مكتسبا. مع التنويه بأن المشرع و كذلك قرارنا رقم (56) لعام 2014 أنه و في مجال تطبيق المادة (14) أو عندما يكون القيد قد جرى بدون حق لمصلحة مكتسب أول، فإنه لم يعط أية أهمية لمسألة حسن النية من سوؤها لدى هذا المكتسب بل جرى اعتبار أن القيد قد جرى خلافا للأصول و بمعزل عن ذلك بحيث يمكن للمتضرر من عملية القيد أن يدعي بالبطلان في جميع الأحوال، و قد اعتبر الاجتهاد السويسري أن هذا الموقف هو تكريس لمبدأ القانونية المادية أو النسبية. و هذا ما أكد عليه قرارنا رقم (56) لعام 2014 لدى تقريره للمبادئ القانونية الناظمة لذلك و تحت عنوان (أولا) عندما نص على أنه إذا تم البيع بالسجل العقاري مباشرة و عن طريق المثول أمامه و تنظيم العقد العقاري فورا و تم نقل الملكية للمشتري فإن أي إدعاء ينصب حول بطلان هذا البيع لعيب اعتور سند الملكية البائع، تحكمه القواعد الناظمة لهذه المسألة و المنصوص عليها بالقرار (188/ل.ر) لعام 1926 المتضمن نظام السجل العقاري في سورية.و قد بين قرارنا آنف الذكر على أنه ( لا يستفيد من هذه القواعد من نقل الملكية لاسمه بالسجل العقاري خلافا للقانون و بفعل منه و بقيت لذلك دون أن تنتقل إلى شخص ثالث حسن النية)، و قد بينا في قرارنا هذا ما هو المقصود بعبارة (دون حق) و مدى شمولها و معناها مفصلا.
ثانيا: القيود الجارية لمصلحة الغير: حيث تبقى المطالبة بالبطلان ممكنة طالما بقي الحق على اسم من اكتسبه في عملية اكتساب أولى كما سبق ذكره، و للأسباب السابقة و لأن من حق من يستفيد من عدم نفاذ التصرفات بطلب البطلان يبقى قائما لأن التصرف قد جرى من قبل من ليس له الحق بذلك، أو استنادا إلى مستند غير معتبر قانونا، أما إذا أجرى المكتسب الأول المشتري عقدا اقترن بقيد جديد لمصلحة شخص جديد (أي مشتري جديد) و هو ما سمته المادة (14) بالغير فإنه يجب التفريق بين وضعين:
أ- إذا كان الشخص الثالث هذا عالما بأن من نقل له الحق كان قد اكتسبه أصلا استنادا إلى عقد باطل فإنه يعد سيء النية، حيث أجازت المادة (14) بفقرتها الثانية إمكانية الإدعاء بوجهه مباشرة لمطالبته بالحق العيني، و لا بد هنا لمن يدعي سوء النية، أي معرفة الشخص الثالث بظروف و ملابسات عملية الاكتساب الأولى أن يثبت ذلك و أن يثبت أن المعرفة قد حصلت قبل تاريخ اكتساب الغير للحق موضوع المطالبة، و في حال ثبوت هذين الأمرين فإنه يمتنع على الشخص الثالث التذرع بالقوة الثبوتة لقيود السجل العقاري و بأنه قد اشترى استنادا إلى هذه القيود.
ب- أما إذا كان الغير (الشخص الثالث) غير عالم بالظروف التي أحاطت بعملية الاكتساب الأولى فإنه لا يجوز إبطال انتقال الحق إلى مكتسبه كما أنه لا يمكن الإدعاء بوجهه بالبطلان لأنه يكون قد استمد حقه ممن هو مقيد على اسمه هذا الحق في السجل العقاري ، لأن في إقرار هذه القاعدة من قبل المشرع حفاظا على قيود السجل العقاري و مراعاة المصلحة العامة المتمثلة في تأمين الاستقرار في المعاملات التي تستند إلى قيود السجل العقاري باعتبارها أولى بالرعاية من المصالح الفردية.
ثالثا: فيما يتعلق بمن هو المقصود بالغير أو الشخص الثالث:
عرفت القوانين العامة الغير بأنه (هو كل شخص لم يكن طرفا في التعاقد الجاري بين فريقين) حيث أنه لا يمكن اعتبار الورثة من الغير، فإذا كان المورث قد باع عقاره بسند عادي لم يسجل في السجل العقاري فإن ورثته ملزمون بتسجيل البيع للمشتري طالما أن العقار ما زال في عداد أموال التركة لأنهم خلفاء عامون لمورثهم وفقا للمادة (146) قانون مدني، كما أنه إذا باع شخص عقاره إلى آخر بعقد لم يسجل في السجل العقاري ثم عاد و باع ذات العقار لشخص آخر و سجل البيع في السجل العقاري، فإن الشخص الذي اشترى العقار و سجل باسمه في قيود السجل العقاري يعتبر غيرا بالنسبة للمشتري الأول بسند عادي لم يسجل رغم أن سند الشراء الأول العادي أسبق تاريخا من عقد الشراء المسجل في السجل العقاري للمشتري الأخير. و إن الغير إذا اكتسب الحق العيني عن حسن نية مستندا إلى قيود السجل العقاري العلنية فإن حقه في شرائه يثبت قضاء حتى و لو كان الشخص الذي باعه أو نقل إليه هذا الحق قد فقده بحكم اعتبر فيه أنه غير مالك، أو تم إبطال العقد الذي تملك بموجبه بسبب توافر أحد عيوب الرضا من عقده أو لبطلان سبب العقد أو لعدم توافر السبب المشروع في التعاقد أو لصورية السبب، حيث إنه طالما أن المشتري المقيد باسمه في السجل العقاري توافر في شرائه حسن النية المفترض فإن تثبيت الملكية واجبة قانونا طالما أنها استندت إلى قيود السجل العقاري العلنية، و على من يدعي سوء النية للمشتري الأخير المسجلة الملكية باسمه في السجل العقاري أن يثبت ذلك أمام القضاء المختص بالطرق المقبولة قانونا. أما إذا كان المشتري الأخير الذي سجلت الملكية باسمه في قيود السجل العقاري سيء النية فإن الملكية تنزع منه، و سوء النية هنا يكفي لإثباتها توافر علم المشتري المطعون بملكيته لهذا السبب فإن الحق الذي اتصل إليه من بائعه و المالك السابق إنما سجل باسم هذا الأخير بدون وجه حق أو أنه يعرف أن ملكية بائعة معرضة للإبطال أو الفسخ فمعرفة المشتري لهذه الوقائع تشكل بحد ذاتها سوء النية دون شرط توافر التواطؤ بين البائع و المشتري، و إن سوء النية من مسائل الواقع و التي يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات و منها البينة و القرائن و لا تخضع لرقابة محكمة النقض إلا أن عبء إثباتها يقع على عاتق من يدعيها كما أن تقدير ما إذا كان المشتري سيء النية أم لا، هو بتاريخ اكتسابه للحق فإذا كان الشخص حسن النية بتاريخ اكتسابه للحق فإن حقه يثبت و لو علم فيما بعد بالعيوب التي يمكن أن تكون سببا لإبطال التسجيل. كما أنه يتضح من تدقيق نص المادة (14) من القرار (188/ل.ر) أنه قد وسع في جهة المدعي فنص على أنه كل من يتضرر من معاملة تسجيل، و ضيق من جهة المدعى عليه فقال على الشخص الثالث السيئ النية، سواء كانت حقوق مدعي الضرر حقوقا عينية أم حقوقا شخصية، و كل ما يشترط هنا هو أن يكون هذا التسجيل هو السبب في حصول الضرر المدعى به. أما القول بسيئ النية فقد حصره المشرع في هذه المادة بالشخص الثالث و هذا يعني أن العملية الحاصلة تتألف من ثلاثة أشخاص (المتصرف و المتصرف إليه و المتضرر من ذلك) فلو أخذنا هؤلاء الأشخاص الثلاثة وفقا للتسلسل الزمني فإننا سنتوصل إلى الشخص الثالث.
فالأول: هو مدعي الضرر لأنه يدعي أن له حقا بالأساس ألحق التسجيل ضررا منه.
و الثاني: هو المتصرف أي من قام بعملية التسجيل و هذا عمله لاحقا بالتاريخ لوجود حق الأول.
و الثالث: هو الأخير الذي وصل إليه الحق (التسجيل) الذي سبب الضرر الأول، هذا و إن قام بنقل هذا الحق لآخر من بعده، فإن هذا الأخير يبقى هو الثالث. و نحن لو عدنا إلى نص المادة (14) لوجدنا أنه يحدد موضوع الدعوى خاصته بالقول: (… الإدعاء مباشرة بعدم قانونية ذلك التسجيل..). حيث إن القول بعدم القانونية هنا يعني طلب إلغاء التسجيل الحاصل (التسجيل بدون حق) و طالما أن الأمر محصور هنا بعدم قانونية التسجيل، فإن المطالبة هنا تقتضي أن يوجه من هو مسجل الحق المدعى به على اسمه (و هذا من حيث المبدأ هو الشخص الثالث السالف ذكره أي الشخص الأخير الذي تم القيد على اسمه). و لعل هذا السبب هو الذي جعل الاجتهاد القضائي السوري يستقر على ضرورة مخاصمة المالك قيدا في السجل العقاري في الدعاوى العينية العقارية، أي أن المدعى عليه بهذه الدعوى هو من سجل القيد المتنازع عليه على اسمه، لكن بشرط أن يكون شخصا سيء النية لأن نص المادة (14) ينص على ذلك. أما إذا كان هذا الشخص حسن النية فلا مجال لإعمال نص المادة (14) أي لا مجال للإدعاء عليه و إنما ينحصر حق المضرور بمداعاة مسبب الضرر بدعوى شخصية قوامها التعويض المعادل لحقه الضائع، و الأساس القانوني لهذه الدعوى هو نص المادة (143) من القانون المدني و كذلك أيضا ما ورد بنص المادة (13) من قانون السجل العقاري.
وبعد المداولة فقد تقرر: التأكيد على المبادئ القانونية المقررة بموجب قرارنا رقم (56) لعام 2014 مع إضافة بعض الإيضاحات على ما ورد فيها منعا للالتباس أو الخطأ في التفسير لمضمونها بحيث تصبح على الشكل التالي:
أولا: إذا تم البيع بالسجل العقاري مباشرة و عن طريق المثول أمامه و تنظيم العقد العقاري فورا و تم نقل الملكية للمشتري فإن أي إدعاء ينصب حول بطلان هذا البيع لعيب اعتور سند ملكية البائع تحكمه القواعد الناظمة لهذه المسألة المنصوص عنها بالقرار (188/ل.ر) لعام 1926 المتضمن نظام السجل العقاري في سورية، و لا يستفيد من هذه القواعد من نقل الملكية على اسمه بالسجل العقاري خلافا للقانون (و بدون حق) و يفعل منه، أو الطرف الآخر و بقيت الملكية كذلك دون أن تنتقل إلى شخص ثالث حسن النية. و إن عبارة (دون حق) الواردة في المادة (14) من القرار (188/ل.ر) لعام 1926 تشكل كل أسباب الإبطال التي يمكن أن يحتج بها تجاه مكتسب القيد في السجل العقاري و هي تشمل جميع الحالات التي لا يكون للبائع أو المتفرغ سلطة أو أهلية لإجراء هذا التصرف كما أنها تشمل جميع الحالات التي يكون فيها السند الحقوقي الذي اعتمد أساسا للتسجيل معدوما أو غير ملزم أو لا قيمة قانونية له. كما في (حالة الوكيل المعزول بتاريخ سابق للبيع – حالة الوكالة المزورة – حالة انتحال هوية المالك..) حيث أنه في و في جميع هذه الحالات (أو ما يماثلها) تكون عملية نقل الحق غير أصولية مما يجعلها باطلة أو معدومة، و هو ما سبق و أكد عليه قرار الهيئة العامة لمحكمة النقض رقم (41/59) تاريخ 1972-12-30 و الذي نص في حيثياته: (و لا خلاف أن جملة (جرى بدون حق) يشكل كل أسباب الإبطال التي يمكن أن يحتج بها تجاه القيد العقاري، و من ذلك أن يكون التسجيل قد تم بغياب صاحب العلاقة، أو بني على الغش أو التدليس أو على إفادة أو وكالة مزورة…). و حيث أن التسجيل في هذه الحالات لم يتم بالاستناد إلى قيود السجل العقاري و إنما بالاستناد إلى الأسناد المذكورة المعدومة أو غير النافذة أو المفقودة فيلغى السند المستند إلى إسناد حقوقية غير صالحة، مع التنويه بأنه و عندما يكون القيد قد جرى بدون حق لمصلحة مكتسب أول، فإن القرار (188/ل.ر) و كذلك قرار الهيئة العامة رقم (56) لعام 2014 لم يولي أية أهمية لمسألة حسن النية من سوؤها لدى هذا المكتسب، بل تقرر اعتبار أن هذا القيد قد جرى خلافا للأصول و بمعزل عن ذلك بحيث يمكن للمتضرر من عملية القيد أن يدعي بالبطلان في جميع الأحوال. أما إذا أجرى المكتسب الأول عقدا اقترن بالتسجيل لمصلحة شخص جديد (و هو ما سمته المادة /14/ بالغير) و الشخص الثالث (في ترجمة أخرى للنص) فإنه يجب التفريق بين حالتين، (مع التأكد على ضرورة التقيد بالقواعد المنصوص عليها بالمواد من (48 – 62) من قانون السجل العقاري).
أ- إذا كان الشخص الثالث عالما بأن من نقل له الحق كان قد اكتسبه أصلا استنادا إلى عقد باطل فإنه يعد سيء النية، حيث أجازت الفقرة الثانية من المادة (14) إمكانية الإدعاء بوجهة مباشرة لمطالبته بالحق العيني على أن يثبت أن هذه المعرفة قد حصلت قبل تاريخ اكتساب الغير للحق موضوع المطالبة، و في حال ثبوت ذلك فإنه يمتنع على الشخص الثالث التذرع بالقوة الثبوتية لقيود السجل العقاري.
ب- إذا كان الغير (الشخص الثالث) غير عالم بالظروف التي أحاطت بعملية الاكتساب الأولى فإنه لا يجوز إبطال انتقال الحق إلى مكتسبه، كما أنه لا يمكن الإدعاء بوجهة البطلان، لأنه يكون قد استمد حقه ممن هو مقيد على اسمه هذا الحق في السجل العقاري.
ثانيا: إذا تم البيع خارج السجل العقاري و بقي دون تنفيذ، فإن الإدعاء المنصب حول بطلان هذا البيع لعيب اعتور سند البائع في تملكه تحكمه القواعد الناظمة لهذه المسألة و المنصوص عنها بالقانون العام و هو القانون المدني.
ثالثا: العدول عن كل اجتهاد مخالف و أيا كانت الغرفة الناظرة التي أصدرته.
رابعا: تعميم هذا المبدأ على كافة محاكم القطر للتقيد به و الالتزام بالمبادئ المقررة فيه.
—————————————————————————————————————-
1- (تعليق): في ضوء و هدى القرار (111) تاريخ 2016-09-20 متفرقة، و الصادر عن الهيئة العامة السباعية لمحكمة النقض، من الواجب لزاما ضبط العبارات و المصطلحات الواردة فيه أولا، للوصول إلى مبتغاه و المراد في ضوء الفقه و الاجتهاد يسبقهما النص القانوني ثانيا و ثالثا، فالقرار آنف الذكر تارة يردد كلمة (التسجيل) و تارة أخرى يستعيض عنها بكلمة (قيد) و لكن البون و الفرق بينهما في الواقع العملي، و لغة القانون واسع مختلف،
فالتسجيل: transcription وفق دلالته في لغة القانون الفرنسي يعني نقل، أو تعديل، أو إلغاء الحقوق العينية المسجلة أصلا في الصحيفة العقارية، مع تعدد أنواع المستندات، كالعقود، و الصكوك… إلخ و التي يطلب ذوي الشأن تسجيلها في هذه الصحيفة، و غالبا ما يكون محلها الحقوق العينية الأصلية، كحق الملكية، و الحقوق المتفرغة عنه كالانتفاع و الارتفاق… فالتسجيل يقتصر دوره هنا على إشهار الحقوق.
أما القيد: inscription فمبتغاه إحداث تدوين في صحيفة العقار لواقعة طارئة لم تكن موجودة من قبل، و يمكن تسميتها ب: (الوقوعات) و غالبا ما تكون الحقوق العينية التبعية محلها و موضوعها، كحقوق الامتياز و الرهن… فالمقصود في القرار موضوع التعليق هو التسجيل أينما ورد لأنه يتناول أصل الحق العقاري و جسده و هو: (الملكية). و في عجالة نستعرض أمثال هذه المصطلحات التي تضمنها القرار لنخلص منها إلى مرادنا الرئيسي، فالقرار لم يأت على توضيح المقصود بالعبارات التالية: (دون حق) و : (العمل القانوني غير الملزم) و: (سند حقوقي قانوني شكلا و موضوعا) و: (السند الحقوقي المفقود) و هذه العبارة تلاها شرح زادها غموضا بتفسيرها ب: حالة (خطأ أمين السجل الذي يسجل اسم شخص غريب عن المكتسب)؟!!! و كذا عبارة: (السند الحقوقي غير الملزم)؟! و (السند الحقوقي المعدوم، أو غير الملزم، أو الذي لا قيمة له…) و: (النظام الشخصي، و النظام العيني) و لعله يقصد المذهب الذي نهجه الشارع في اختياره لنظام السجل العقاري المتبع في الأنظمة العقارية العالمية، و كأنه ألقى المصطلحات في بحر القرار، و تركها تصارع أمواجه، و: (إفادة)، و (الإسناد غير النافذة و المعدومة) و عبارة: (عدم حيازة المتعاقدين أنفسهم للشروط القانونية) و: (مبدأ القانونية المادية أو النسبية)!!! و: (الغير) و هي وحدها تحتاج إلى شرح مستفيض قد يستغرق مؤلفا كاملا، أو عبارة: (القوانين العامة) و حبذا لو أنه ابتعد عن إقحام هذه المصطلحات و العبارات في متن القرار دون طائل لسهل حركته في إيصال فكرته في موضوعه لكنه زاد غموضا… نعود إلى القرار و نسير معه خطوة تتبعها أخرى، فقد أورد في متنه نص المادة (14) من القانون التنظيمي (188/ل.ر) لعام 1926 النافذ في كل من سورية و لبنان، و ألمح إلى المصدر الفرنسي المأخوذ منه، و عاب على الترجمة دقتها و اختلافها في كلا البلدين، علما بأن النص الفرنسي واحد، و هذا ليس بالمستغرب، لأن الثقافات و الأهواء تتباين في البلد الواحد، و يقال عن الترجمة بأنها: (خائنة) فلا ضير ما دام المعنى العام و الدقيق واضح من قصد الشارع، فالشارع الفرنسي نفسه أخذ من الشارعين السويسري و البلجيكي في قانونه المؤرخ في 1855-03-23 و الذي خصص القانون المدني الصادر في العام 1804 الذي يشار إليه ب (الكود) COOd Civil. و قد أفاض القرار من حيث لا تفيض الحلول لهكذا معضلات، فمثلا دورانه حول عبارة (دون حق) دون لمس كنهها، فتارة يرجعها إلى انعدام مستند التسجيل (كالوكالة المعزولة) أو فقدان المستند!! مع لحظ غرابة المثال عن التمثيل، أو عدم إلزامية المستند (الحكم غير النافذ و المقاولات الشرطية) ثم استطرد ليشمل العبارة كل أسباب البطلان، كالإفلاس، و المحكوم عليه بجناية و المحجور عليه، و المتهم الفار، ثم عاد ليستطرد ثانية بالقول: (… إن عبارة دون حق تشمل جميع الحالات التي يكون فيها السند الحقوقي الذي اعتمد أساسا للتسجيل معدوما، أو غير ملزم، أو لا قيمة قانونية له… كالعزل، و الوكالة المزورة، و انتحال الهوية… كما أنه يذكر في كل مرة حالة الشخوص أمام السجل العقاري لنقل الملكية استنادا إلى القرار (188/ل.ر) لعام 1926 (هكذا تارة يسميه قانون، و تارة أخرى قرار) و لا يذكر الحالة الأخرى المبنية على الغش و التدليس (dol) و إن كان يحوم حولها، مما جعل الغموض و الضبابية تلفان القرار، و قد فتح منفذا لدعوى عدم نفاذ التصرف من خلال طلب إبطاله، وحيد حالة الشخص الثالث (حسن و سيء النية) ليفصل بها في حالتين محورهما الخلط بين العلم و المعرفة، أو عدم العلم بتعلق حق للغير (المشتري الأول)، فهو لم يبين ماهية هذا العلم، هل هو العلم البسيط؟ أم الموصوف؟ فتوضيح الفرق بينهما يعد مدخلا للحل من خلال ضبط المصطلح المتداول و تصحيحه كي يصبح مفهوما عصيا على التأويل. فالعلم قطعي، في حين أن المعرفة ظنية، فمعرفتك بالشيء لا تفيد إحاطة العلم به، بينما علمك به هو إحاطة بمعرفته، فالمعرفة تمر بمراحل حتى تصبح علما، لأنها (أي المعرفة) يسبقها جهل، أما العلم فليس كذلك، فكان على القرار أن يبتعد عن الغموض و عدم الدقة في تحديد المصطلح المؤدي إلى المفهوم، و في ناحية أخرى ذكر مفهوم (العلم) على إطلاقه و عموميته، و لم يبين ماهيته، فهل هو العلم البسيط؟ أم النسبي إذ لا ملامة، أم هو العلم الموصوف؟ و هو التدليس التواطؤي بعينه المقرون بالنية العمدية آخذا لبوس القانون شكلا و مظهرا لإضفاء الحماية، و ما هو إلا التعسف في استعمال القانون إضرارا بالغير، و قد وفق الاجتهاد و الشارع المقارنين في تحديد هذه الجزيئات الموضحة لدور النية في إظهار طبيعة التصرف و من ثم الحكم عليه بمشروعيته من عدمها. و نلحظ العلم البسيط شاخصا دائما في ثنايا الاجتهاد السوري فقد قضي بأن: (المشرع أسبغ على قيود السجل العقاري قداسة تحتل المصاف الأول في الأولوية و الرعاية و الاحترام فجعل منها المرجع الأساسي في اكتساب الحقوق العينية، و التي إذا ما جرت استنادا عليها حصنت و وجب حمايتها من كل استحقاق، إلا إذا كان مكتسب هذا الحق على علم مسبق و قبل اكتسابه الحق بوجود عيوب، تعتور ملكية من نقل له هذا الحق على أن تكون هذه العيوب من الجسامة التي يترتب عليها نزع الحق من مكتسبه كعيب التزوير، أو عيب الانعدام، أما غير ذلك فلا مجال للنيل من حق الذي اكتسب الحق العيني… (نقض مدني سوري – غرفة ثانية – أساس (648) قرار (945) تاريخ 2014-10-15) و الذي نراه أن مبدأ القوة الثبوتية المطلقة لقيود السجل العقاري يتعارض مع مبدأ العدالة، لأنها تؤدي إلى التضحية بمصلحة صاحب الحق في سبيل صون المبدأ حماية و تفضيلا للمطلق على النسبي بحجة حماية و تثبيت الملكية العقارية، و تعزيز الثقة بقيود السجل العقاري، و لأجل هذه الناحية يمكن تجاوز الضرر. إن إخراج هذا الكلام بهذه الصيغة يمكن أن يكون مقنعا و مقبولا إذا كنا في صدد أوضاع معتادة، أما إذا اعتور هذه الأوضاع دنس يتمثل في ظهور النيات المعدة مسبقا و المبيتة سلفا عاد للشارع و الاجتهاد دورهما للرد على ذلك. (المادة /13/ من القانون (188/ل.ر) لعام 1926) فلا ينكر تغير الاجتهاد بتغير الأوضاع و النيات. و لسوء النية لحظة حرجة يقدر اكتمالها بدرا في حينه لتنتج مفاعيلها التي تساهم في وأدها بمكمنها، و هذا الوقت هو تاريخ اكتساب الحق لا بعده!! و يعد ذلك مسألة واقع، يقع فيها عبء الإثبات على من يدعي ذلك، و تفتح له جميع أبواب الإثبات و منها البينة الشخصية و القرائن، و تنحسر رقابة محكمة النقض في و على ذلك. أما فيما يتعلق ب (الغير) فنجد أنه لا الشارع، و لا القرار أعطيا تعريفا له، مما يوجب البحث عن تعريف يحيط بهذا الغير لضبطه، فنعثر على تعريف في ثنايا قرار لمحكمة النقض البلجيكية يحصره، (كل شخص لم يكن طرفا في العقد غير المسجل، و لا فرق بين أن تكون المنفعة التي يتمسك بها قد نشأت عن حق عيني على العقار، أو عن أي سبب آخر مشروع) (حسين حمدان – نظام السجل العقاري – الحلبي الحقوقية ط بيروت عام 2005 صفحة 402). و هذا يدعونا لبيان ماهية و آثار التسجيل، فالتسجيل هو الإجراء الذي أوجده القانون ليكون بمنزلة الإشهار و الإعلان السابق للتصرف حتى يأخذ المشتري اللاحق (الثاني…) أو من انتوى الحصول على حق عيني على العقار حيطته و حذره، فلا يتعاقد مع المالك إلا بعد الكشف على الصحيفة العقارية، فإن وجدها مثقلة بحق عيني للغير، أحجم و إلا عزم و توكل، فالتسجيل Transcription كان و ما يزال أمارة على التصرف، فإذا لم يحصل (أي التسجيل) فقد قنن الشارع مصيره باعتباره لم يحصل نسبيا بالنسبة للغير، أما بين عاقديه فواقع (المادة (9/188/ل.ر.1926)، و يبقى التذكير في هذا الخصوص بأن العقد غير المسجل تزول عنه فائدة نقل الملكية و يستحيل إلى التزام شخصي (د. عبد السلام ذهني بك كتاب الأموال، طبعة القاهرة، 1926، صفحة 892). فالتسجيل لا يؤثر على العقود التدليسية، أي لا يصححها بل تبقى معدومة الأثر القانوني بالنسبة للغير (د. عبد السلام ذهني بك، التسجيل و حماية المتعاقدين و الغير – مطبعة الاعتماد بالقاهرة 1926 – صفحة (50). و المعضلة الكبرى هي واقعة سوء النية، و هي محور و مركز الدائرة في هذه المسألة التي تنتجه نحو العقم غير المبشر بولادة حل ما دامت المعالجة هي بمحاكاة الحلول السابقة التي انتهجها القضاء و تعرض لها الشارع من خلال النص القانوني، مع الأخذ بالاعتبار قاعدة لا يمكن تغير الأحكام، فتفاقم الحالة بل يدعو إلى تضافر الجهود، و رص الصفوف لمعالجتها تشريعيا بشكل جذري، و قضائيا من خلال تطويع النصوص الجائرة و كبح جماحها لمصلحة الحقوق الحائرة، و استبعاد الحالات الفردية من التعميم، فلا يمكن تجريد قاعدة من حدث لقيط، أو تصرف خداج، و الاهتداء بنور قواعد العدالة، و وضع ضوابط مساعدة (لوجستية) تسبق التسجيل في السجل العقاري نقترحها في ذيل هذا التعليق علنا ندرك أذيال الحل أو نتعلق بأهدابه. فسوء النية Mauvaise Foi يحول دون نقل الحق العيني العقاري، و إن تم التسجيل، فالتسجيل لا يطهر العقار من كل عيب، و من دنس سوء النية على وجه الخصوص، إذا أخذنا بعين الاعتبار جريا مع الاجتهاد القضائي الأحدث بأن التسجيل في السجل العقاري طريق شكلي إلزامي لا بديل عنه، و إن توثيق العقود العقارية في السجل العقاري يعد نقلا للملكية ليس إلا… و لا يعتبر دليلا كتابيا يمنع قبول حتى الإثبات بالبينة الشخصية… و حتى أنه لا يزيل المانع الأذلي… هيئة عامة قرار (159) تاريخ 2016-09-20 أساس (159/2016). و سوء النية يتجسد بموقف من يتعسف في استعمال القانون (و فرق بين التعسف في استعمال الحق و التعسف في استعمال القانون) لينتفع من وضع قانوني يعلم، أو يجب أن يعلم عيوبه أو طابعه العقابي المبطل، فهو الغش المصحوب بطرق ملتوية، أو لنقل إساءة استعمال الحق باستخدام طرق قانونية، فلا تساهل إذن مع سوء النية (جيرار كورنو – معجم المصطلحات القانونية ج1 ص 922). فسوء النية من الناحية العملية و الواقعية و ما درج عليه الاجتهاد القضائي متسلحا بالنص القانوني هو علم المشتري الثاني أو الأخير بأن التسجيل قد تم دون وجه حق، و يعلم بأن وضع ملكية بائعه يترنح و معرض للإبطال أو الفسخ (و هذا هو العلم البسيط الذي يقودنا إلى العلم الموصوف و هو التدليس التواطؤي)، مع الأخذ بالاعتبار في تقدير حسن النية أو سوءها وقت اكتساب الحق، أي تجميد موقف النية في فترة محددة، فإذا كان الشخص حسن النية Bonne Foi وقت أو عند أو في أثناء أو لحظة أو ساعة اكتسابه الحق فحقه يثبت، و لا تثريب عليه إن علم بعد ذلك بالعيوب التي تعتور الحق و التي يمكن أن تكون سببا لإبطال التسجيل، و هذا يستدعي بدوره مسألة تحديد و توجيه الخصومة، فمخاصمة سيء النية تكون مباشرة لأن التسجيل تم على اسمه دون وجه حق، و هو المالك قيدا في السجل العقاري، في حين تكون مخاصمة حسن النية استنادا لنص المادة (143 مدني) و المادة (13/188) و هي دعوى تعويض معادلة للحق الضائع. فسوء النية المقصود هنا هو الذي يضيع على العقد غير المسجل قبل العقود الأخرى قوته القانونية، فيجعل العقود الأخرى المسجلة بعده مفضلة عليه، و سوء النية المضيع للعقد – وفق القانون البلجيكي – هو بالنسبة للغير الغش أو التدليس، و ليس المراد بهما الغش أو التدليس من جانب البائع وحده، بل الغش و التدليس من جانب البائع و المشتري معا، و هو العلم الموصوف أي التواطؤ التدليسي، فالعلم البسيط كما نوهنا لا يكفي من جانب المشتري للقول بسوء النية بالمعنى القانوني الصحيح، لأن (العلم) مسألة نفسانية ترجع للنفس، و من الصعوبة بمكان على القضاء و على التقنية الحديثة إظهاره أو ضبطه أو تحديده!!.. و من الصعوبة أيضا الإلمام به و التدليل عليه لاختلاف مصادر العلم، و تباين قوة الثقة بها، أما العلم المقصود و المنشود في ترتب المساءلة القانونية فهو العلم الناشئ عن التسجيل، و هو ما يدعى وفق الاجتهاد الفرنسي بـ (التواطؤ التدليسي) أو الاتفاقي الموصوف المبطل للتصرف الثاني (العقد الثاني) المسجل قبل العقد الأول، و هو الغش بعينه.. و قد ذهب الفقه و الاجتهاد الفرنسيان، اعتمادا على قانون (23 مارس/ 1855) إلى الأخذ بالتواطؤ في إبطال العقد المسجل أولا، و بأنه يجب عدم الأخذ مطلقا بمجرد العلم البسيط، لأن من شأنه أن يلحق خطرا بالمعاملات لتعلقه بالنفس، و الاستناد عليه محفوف بالمخاطر، و أن ميزة التسجيل قد جاءت و قضت على العلم البسيط، و أصبح الاحتجاج بالعلم لا يكون إلا من خلال التسجيل، و أن العلم من جانب أحد الطرفين لا يعيب العقد الثاني المسجل أولا، إنما الذي يعيبه هو التواطؤ، أي الاشتراك التدليسي، أي العلم الحاصل من الطرفين اتفاقا للإضرار بالمشتري الأول (التسجيل.. ذهني بك ص 48) فكلمة التدليس لا تنصرف إلا إلى التواطؤ… فالعقد الذي يصدر من البائع ببيع العقار مرة ثانية بعد بيعه في المرة الأولى لا ينفذ بحق المشتري الأول الذي سجل بعد تسجيل المشتري الثاني إذا تبين أن التبايع الثاني كان نتيجة التواطؤ و الاتفاق التدليسي بين البائع و المشتري بقصد إلحاق الضرر بالمشتري الأول.. و هذا العمل يعد باطلا بطلانا نسبيا لمصلحة المشتري الأول، و هو صحيح بالنسبة للمتعاقدين، و البطلان طارئ عليه لأن معتد على الحق المقرر للغير و هو المشتري الأول. فالتواطؤ التدليسي، أو الموصوف، أعظم شأنا، و أعظم خطرا من علم المشتري الثاني يسبق التصرف علما بسيطا فالنية المعدة مسبقا هي سمة هذا التواطؤ في إلحاق الضرر بالمشتري الأول الذي لم يسجل عقده، فيعمل الاثنان و يسارع المشتري الثاني إلى تسجيل عقده قبل المشتري الأول و يفوز بالملكية، و هو (أي التواطؤ التدليسي) عمل هادم يتنافى مع القول بإنشاء الحقوق، لأنه لا ينشأ حقا، و لا يزيل حقا، و لا يمس أي حق، و هو عمل باطل لا تتأثر منه الحقوق الثابتة، بل يعد مصدرا للحقوق مثل حق التعويض عن الأضرار المحتملة، أو التي وقعت بالفعل. و قد تشددت محكمة النقض الفرنسية إلى الحد الذي قالت فيه بأنه لا يقبل من المشتري الأول الذي لم يسجل الطعن على مشتر ثان سجل أو لم يسجل يسبق علمه بحصول الشراء الأول، إلا إذا كان هناك تواطؤ بين و ظاهر و جلي بين البائع و المشتري الثاني، و أما ذلك العلم البسيط، أو مجرد العلم و اتهام المشتري الثاني المسجل بتحصيله عن شراء سابق حاصل لمشتر أول، فإنه لا يمكن الاطمئنان إليه، ذلك لأن تسجيل العقد الثاني و قد وقع فإنه يعصم صاحبه عن تعرض عقده لخطر الطعن فيه بسبق العلم المجرد، إذ في فتح باب العلم تدفق لدعاوى الطعن بسبق العلم و بغزارة لهذا النوع من الدعاوى بما لا طائل تحته، بما يغمر مجالس القضاء من الأقضية التي لا تستند إلا إلى مجرد ظن تخميني تنفر منه المعاملات و تمجه نزعة الطمأنينة و الاستقرار في مجال المعاملات و تعريض التسجيل للخطر، خطر مجرد العلم البسيط، و فيه إفساد لماهية التسجيل و الغرض القانوني الصحيح المرجو منه، أما ذلك التواطؤ التدليسي بين البائع و المشتري الثاني المسجل، و قد أراد به الغدر بالمشتري الأول غير المسجل، فهذا هو العنصر الصحيح الذي يهدم العقد المسجل و يعفي أثره من عالم الوجود القانوني و يسميه رجال الفقه الفرنسي بالتعسف في استعمال التسجيل (Abus de transcrition) و الخروج به عن مرماه الصحيح و عن مقصد الشارع منه، و من ذلك ما قضت به دائرة العرائض لدى محكمة النقض الفرنسية بعدم نفاذ العقد الثاني لحصول غش Fraude أضرارا بالمشتري الأول إذا كان هناك تواطؤ تدليسي، فلا يؤخذ هنا بالأفضلية بأسبقية التسجيل، ذلك أن مالكا باع لأجنبي عن أسرته عقارا، و لما آخذه أهلوه على إخراج العقار الموروث له من أملاك أسرته سارع إلى بيعه لابنه الذي سجل قبل تسجيل المشتري الأول لعقده. (د. عبد السلام ذهني بك – الأموال – صفحة 845 هامش). و مع وجود النص القانوني الذي يقف حائرا دون إسعاف الحلول لهذه المعضلة، و أمام الاجتهاد القضائي الذي يدور في فلك النص القانوني، و محاكاة الاجتهادات و السوابق القضائية ذات الحال الدائرية، يفترض أن يتخذ الشارع موقفا يتسم بالجرأة من خلال تقنين الحلول بتناول النص إلغاء أو تعديلا ليتواءم مع مقتضيات العدالة، كما يمكن للاجتهاد القضائي تطويع النص القانوني من خلال تفعيل الاجتهاد على أسس من العدالة بتلطيف حدة و قساوة هذا النص، لأن حس العدالة يختلف عن الحس القانوني، و يمكن الخروج من هذه الطامة بحل ثالث إداري متناغم مع النص القانوني و الاجتهاد و مقتضيات العمل في السجل العقاري باشتراط التسجيل على وضع قيد مؤقت لمد تتراوح بين (10 – 30) يوما تزامنا مع سماع العقد العقاري و تسجيله في دفتر اليومية، و تعليق التسجيل على نشر إعلان بالصحف يشعر بوقوع البيع، يدعى فيه من له اعتراض أو حق على العقار، بأن يتقدم خلال هذه الفترة ليبدي أي تحفظ أو ملاحظات جدية حول التسجيل، فقد يكون المشتري الأول، فيوجهه مدير السجل إلى مراجعة المحكمة المختصة خلال فترة القيد، و في حال انقضاء المدة دون ورود اعتراض أو مراجعة من أحد يسجل العقد من تاريخ سماعه و من تاريخ القيد المؤقت بأثر رجعي، و هذا أضعف الإيمان، فالقيد المؤقت يهدف هنا إلى المحافظة مؤقتا على ضمان الحق بأثر رجعي منذ تاريخ إجرائه، و تمتد آثاره إلى الغير الذي يفترض فيه أنه على علم به، و لو كان هذا الغير المدعي لحقوق غير مسجلة هو المشتري الأول بمقتضى عقد سابق في التاريخ على شراء المشتري الثاني، فيمكن في هذه الحالة هدم قرينة حسن النية المفترضة في المشتري الثاني المسجل. و ختاما أدون هذه المقولة – و هي تخص هذا التعليق – للعلامة الفرنسي (جوسران Jossernd) و التي ذهب فيها إلى أنه (… يجب أن يقف القانون، و معه القاضي، حجر عثرة في وجه كل من يعمل على العبث بنظام اجتماعي مقرر لحقوق جدية سليمة، و أم ذلك العابث بحقوق الغير بأمل أن ينشئ لنفسه حقا عن طريق اغتيال حقوق الغير اغتيالا لحمته الغش، و سداه سوء الطوية و الضمير فإنه لا يستطيع ذلك، إذ العدالة و البداهة، و الأصول العامة للقانون، و منطق المعاملات، و انسجام الحياة في مظاهرها و عناصرها المختلفة تتعارض كل التعارض في الأخذ بيد مغتال آثم يعمل على ابتلاع حقوق الآخرين و ضياعها و ينشئ له حقوقا فوق أنقاضها، إن الإثم إنما إنما و الإجرام المدني إنما لا يمكن أن يترتب عليه حق، ميزة الحق لدى صاحبه تجعله في موقف مشروع تتضافر قوى النظام الجماعي على حمايته
:Josserand: de l’esprit des droits et de leur relativite- 2em edition – 1939.p.368
قرار 111 / 2016 – أساس بدون – الهيئة العامة لمحكمة النقض -قاعدة سورية 68 – م. المحامون 2016 – اصدار 07 إلى 12 –