التفرقة بين الإرهاب والمقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي
- July 3, 2023
- Yasser Hazzory
- المقالات
التفرقة بين الإرهاب والمقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي
التفرقة بين الإرهاب والمقاومة الشعبية المسلحة
في القانون الدولي
للمحامي محمد فيض الله
من فرع حلب
الان قاضي التحقيق الغرفة التاسعة بحلب
منشور في العدد السابع والثامن من مجلة المحامون لعام ٢٠٠٤
في البداية لا بد لنا من تعريف حركات المقاومة الشعبية والتي يعرّفها الدكتور صلاح الدين عامر بأنها : « عمليات قتال تقوم بها عناصر من غير أفراد القوات المسلحة النظامية ، دفاعاً عن المصالح الوطنية ضد قوى أجنبية سواء كانت تلك العناصر تعمل في إطار تنظيم يخضع لإشراف وتوجيه سلطة قانونية أو واقعية أو تعمل من تلقاء نفسها وسواء باشرت هذا النشاط على الإقليم الوطني أو خارج هذا الإقليم » .
ولا يشترط في المقاومة الشعبية أن يقوم بها كامل الشعب الذي احتلت أراضيه وإنما يكفي أن يتعاطف الشعب مع هذه المقاومة بحيث تمثل هذه المقاومة مشاعر الشعب ضد الدولة الغاصبة أو المحتلة أو دولة التمييز العنصري .
وإن حق المقاومة المسلحة هو مقرر لجميع الشعوب التي احتلت أراضيها واستعمرت بغية استرداد حقوقها المغتصبة وأراضيها المحتلة ومن أجل تمكينها من الدفاع عن نفسها انطلاقاً من حقها في الدفاع المشروع عن النفس .
وقد ترتب(*) على تعاظم حركات التحرير الوطنية وتنامي الاعتراف الدولي بها وبشرعية لجوئها لاستخدام القوة المسلحة في سبيل تحقيق أهدافها الوطنية فقد تم اعتبار حروبها حروباً دولية . وبالتالي فأنها تخضع لقرارات مجلس الأمن لأنها تهدد السلم والأمن الدوليين .
فالمادة /1/ من البروتوكول الإضافي الأول 1977 في جنيف تقول : تعتبر من قبيل الحروب الدولية « المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب المستعمرة ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة » .
وهذه المادة قبلت بها جميع دول العالم إلا إسرائيل الدولة العنصرية والأكثر إرهابية في العالم .
بملاحظة هذه المادة نجد أنها تنطبق على نضال شعبنا العربي الفلسطيني ضد العدوان الصهيوني واستمرار احتلاله للأراضي الفلسطينية أي إن حرب المقاومة الفلسطينية مع إسرائيل قد أخذت صفة الحرب الدولية ، الأمر الذي يفسح المجال لها ولمقاتليها بالنضال والمقاومة المسلحة من أجل دحر العدوان وتحرير الأراضي المغتصبة وعلى دول وشعوب العالم تقديم المساعدة لها طبقاً لميثاق الأمم المتحدة ولقرارات الجمعية العامة ومنها القرار رقم(2535) تاريخ 10/12/1969 والذي اعترف بالمقاومة الفلسطينية والنظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها تخص شعباً فلسطينياً وليس قضية لاجئين . وكما أكد هذا القرار وغيره من القرارات التي تلته على حق الشعب الفلسطيني في استخدام كافة الوسائل المتاحة المنسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة بما فيها القوة المسلحة .
ومما لا شك فيه أن مشروعية لجوء المقاومة إلى حرب المجموعات الصغيرة أو استخدام القوة المسلحة تستند إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي يعني أن لكل أمة حقها في أن تكون مستقلة وأن تحدد بنفسها نظام الحكم فيها وقد جعل ميثاق الأمم المتحدة هذا الحق أحد أهدافه المنظمة فأشارت المادة (11) من الميثاق : « إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها . وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى لتعزيز السلم العام » .
وبالتالي يحق لمناطق الحكم الذاتي وللشعب الفلسطيني قبلها أن يكون له دولة فلسطينية مستقلة يحدد فيها نطام الحكم الذي يرتئيه .
وكذلك المادة (55) من الميثاق أشارت لهذا الحق، والأعمال التحضيرية لهذه المادة تشير بأنها تعني إنهاء السيطرة الأجنبية المفروضة على الشعوب وتمكينها من الحصول على الاستقلال والحرية وتمكين الشعب الذي احتلت أراضيه من اللجوء إلى كافة الوسائل بما فيها القوة لاسترداد أراضيه ، وقد تأكد هذا المفهوم في قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة منها قرار رقم (245) تاريخ 5/2/1952 والقرار /637) تاريخ 1/12/1952 ، كما نصت عليه الاتفاقيتين الدوليتين لحقوق الإنسان في مادتها الأولى .
والقرار رقم (2621) في 12/10/1970 الذي اعتبر استمرار الاستعمار بكافة صوره وأشكاله جريمة ضد القانون الدولي .
والقرار (3103) في 12/12/1973 الخاص بمركز المقاتلين القانوني الذين يكافحون الاحتلال والاستعمار والنظم العنصرية حيث أقر بشرعية كفاحهم ضد هذه الأنظمة إعمالاً لحقهم في تقرير المصير والاستقلال . واعتبر كل محاولة لقمع هذا الكفاح تمثل انتهاكاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة .
وهكذا نجد أن جميع هذه القرارات ومواد الميثاق تعطي الشرعية للنضال الذي تخوضه المقاومة الفلسطينية ضد دولة الاحتلال وطبقاً لهذا القرار الأخير فإن محاولات إسرائيل لقمع هذه المقاومة هي جريمة دولية وانتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة .
وحيث إن العناصر المكونة للمقاومة الشعبية هي أربعة عناصر وهي :
1 – الطابع الوطني الشعبي .
2 – الطابع العسكري .
3 – العنصر الجغرافي .
4 – عنصر الدافع الوطني : وهو أهم هذه العناصر في معرض التمييز بين المقاومة الشعبية والإرهاب، فالدافع الوطني يتمثل بالشعور العارم الذي يعم أفراد الشعب الذي تعرض للغزو والاحتلال فيندفع للتصدي للمحتل بالمقاومة المسلحة .
وبالتالي فإنه يعتبر معياراً هاماً للتمييز بين المقاومة والإرهاب والعنف التي تقوم بها جماعة ما ، فالدافع وراء المقاومة هو دافع وطني نبيل ، أما الدافع وراء أعمال الإرهاب دافع إجرامي دنيء .
وهكذا نجد أن إسرائيل والولايات المتحدة عندما تتعامل مع الانتفاضة الفلسطينية أو المقاومة اللبنانية الممثلة بحزب الله على أنها جماعات إرهابية وتخريبية تتجاهل الشرعية التي أعطاها القانون الدولي لها سواء في ميثاق الأمم المتحدة أو قرارات الجمعية العامة ، كما أنها تتجاهل أن اليهودية قد دافعت عن حق اليهود في مقاومة الاحتلال النازي فهل الصفة الشرعية لهذا النضال موقوفة حتماً على نضال اليهود ؟؟.
وهذا الموقف يدل على انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل وأعمالها الإرهابية ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية وهو يدل على سيادة نظرية القوة في العلاقات الدولية بالرغم من أن إسرائيل تمارس أبشع الجرائم الدولية بحق الفلسطينيين بصفتها دولة احتلال ومن هذه الجرائم نذكر أهمها :
آ – جرائم الاستيطان :
نصت المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية المدنيين حيث حظرت على دولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها وقد أكدت هذا الحظر المادة (85) من البروتوكول الإضافي الأول واعتبرتها جرائم جسيمة وتمثل انتهاكاً للبروتوكول ، وهاتان المادتان تنطبقان حرفياً على إسرائيل ومشاريعها التوسعية .
ب – جرائم أخذ الرهائن :
نصت عليه المادة (46) والمادة (50) من لائحة لاهاي 1907 وكذلك المادة (34) من اتفاقية جنيف 1949 الرابعة والمادة (50) من البروتوكول الإضافي الأول .
وهكذا نجد أن إسرائيل تنتهك هذه الاتفاقيات الدولية وتستمر وبكل وقاحة باعتقال المواطنين العرب في سجونها دون وجه حق .
ج – جرائم التعذيب وإساءة معاملة السجناء وأسرى الحرب وإنكار صفتهم :
ويلاحظ أن إسرائيل تبرر تعذيب الفلسطينيين بأنه يتم بغية انتزاع المعلومات منهم تبعاً للظروف الاستثنائية التي تعيشها إسرائيل وهذه تشكل جريمة من جرائم الحرب وجريمة ضد الإنسانية .
د – جرائم القتل والاغتيال والإبادة الجماعية :
وهذا ما نراه على أرض الواقع من سلسلة الاغتيالات لقادة الانتفاضة الفلسطينية ورموزها دون وازع أو شعور إنساني ، هذا بالإضافة إلى المذابح الجماعية مثل مذبحة (الحرم الإبراهيمي – صبرا وشاتيلا – قانا) وهذه الجرائم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفقاً لنظامها الأساسي .
هـ – جريمة تعمد تجويع السكان المدنيين وفرض الحصار الاقتصادي ضدهم :
حظر ت المادة (54) من البروتوكول الإضافي
الأول هذه الجرائم . ونجد أن إسرائيل قد ضربت عرض الحائط كافة المواثيق الدولية تحت مباركة ورعاية الدولة الأمريكية فعمدت إلى تجويع الفلسطينيين وفرض الحصار على مناطق الحكم الذاتي .
وهكذا نجد أن سياسة الادعاءات التي تشنها الدول الغربية وإعلامها لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل ، هذه السياسة التي تقوم أساساً على الخلط المتعمد بين المقاومة الشعبية المشروعة وأعمال الإرهاب ، هذه السياسة أضحت سياسة مكشوفة لجميع شعوب الأرض قاطبة هدفها الأوحد تشويه صورة الإسلام والعرب في أذهان وأنظار العالم وتشويه نضال الشعوب وحركات التحرير الوطنية ، ولكن هيهات أن تصل إلى مرادها وسياستُها ستردّ عليها .
وحيث إن الولايات المتحدة استطاعت أن تشل حركة مجلس الأمن في الأمم المتحدة والتحكم في قراراته وفق رغباتها ومصالحها واستخدام حق الفيتو ضد جميع القرارات العادلة في حق الشعب الفلسطيني المضطهد وانحيازها التام لإسرائيل يشكل سياسة الكيل بمكيالين ويعكس مدى الضعف والوهن الذي أضحت عليه منظمة الأمم المتحدة ، وبالتالي فإن التصريحات الحالية لأفراد الحكومة الأمريكية بأنه حان الوقت لإعلان الدولة الفلسطينية لن تنطلي على الشعب العربي الفلسطيني حيث إنها مناورة جديدة من أمريكا ولا بد من دفع الثمن دماً فلسطينياً قبل الوصول إلى هذا الإعلان .
وأخيراً إن الدفاع عن المقاومة الشعبية المسلحة هو من عمل رجال القانون أولاً وأخيراً ، الأمر الذي يوجب علينا الشرح والدفاع عن المقاومة الشعبية ونضالها المشروع من أجل تقرير المصير والاستقلال ونبين بُطل وزيف الادعاءات الغربية .
القاضي
محمد فيض الله